تفسير القرطبي

ألا إنَّ رَبِّي أمرني أنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهِلْتُمْ، ممَّا علَّمَني يوْمِي هذا، كُلُّ مالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حلالٌ، وإنِّي خَلَقْتُ عبادي حُنَفاءَ كُلَّهم، وإنَّهُم أتتْهُمُ الشياطينُ فاجْتَالَتْهُمْ عن دينِهِمْ، وحَرَّمَتْ عليهم ما أحْلَلْتُ لهمْ، وأمرتهُمْ أنْ يُشْركُوا بِي ما لَمْ أُنزِلْ بهِ سُلْطَانًا، وإِنَّ اللهَ نظر إلى أهْلِ الْأَرْضِ، فمقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وعَجَمَهُمْ، إِلَّا بقَايَا من أهْلِ الْكِتَابِ، وقال: إِنَّما بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وأَبْتَلِيَ بكَ، وأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ المَاءُ، تَقْرَؤُهُ نائِمًا ويَقْظَانَ، وإِنَّ اللهَ أمرنِي أنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا، فَقُلْتُ: ربِّ إِذًا يَثْلَغُوا رأسِي فيدَعُوهُ خُبْزَةً، قال: اسْتَخْرِجْهُمْ كما اسْتَخْرَجُوكَ، واغْزُهُمْ نُغْزِكَ ، وأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ، وابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وقَاتِلْ بِمَنْ أطاعكَ مَنْ عصَاكَ، قال : وأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، ورَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى ومُسْلِمٍ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، قال : وأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الذي لا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لا يَبْتَغُونَ أهْلًا ولَا مَالًا، والخائِنُ الذي لا يَخْفَى له طَمَعٌ، وإِنْ دَقَّ إلَّا خَانَهُ، ورجُلٌ لا يُصبحُ ولا يُمْسِي إِلَّا وهو يُخَادِعُكَ عن أهْلِكَ ومالِكَ وذَكَر الْبُخْلَ أو الكَذِبَ والشِّنْظِيرُ الفَحَّاشُ عن عياض بن حمار صححه ابلالباني في صحيح الجامع وخلاصة حكم المحدث : صحيح

*

 تفسير القرطبي

Translate

السبت، 2 أبريل 2022

كتاب الاتعاظ والاعتبار بعقوبات الأمم السابقة / كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  الاتعاظ والاعتبار بعقوبات الأمم السابقة       

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: ففي قصص القرآن الكريم العبرة، قال الله جل وعلا: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111] ففي قصص القرآن الكريم عظات من اعتبر بها كانت من أهم أسباب إصلاح قلبه وعمله.

ومن تلك القصص: قصص الأمم السابقة وما أصابها من عقوبات عندما كذبت وعصت، والغرض من ذكرها الاعتبار بحالهم لئلا يصيبنا ما أصابهم، فقد ذكر الله عز وجل اهلاكه للقرون السابقة في قوله جل وعلا: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴾ [ق: 36] وأنزل بعدها قوله تعالى: ﴿ إنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ أي: استمع الكلام فوعاه، وتعقله بقلبه، وتفهمه بلبه.

وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 52] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يعني أمثالكم وسلفكم من الأمم السابقة...فهل من متعظ.

وقد ذكر الله عز وجل عقوبة نوح، ثم قال سبحانه: ﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) ﴾ [القمر: 15] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: فهل من يتذكر ويتعظ.

فاللهم وفقنا للفهم والتعقل لما جاء في آيات القرآن الكريم من العظة والاعتبار.

لقد أهلكت الأمم السابقة بذنوبهم قال تعالى ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [الأنعام: 6]

 

فقوم نوح أغرقوا، قال الله عز وجل: ﴿ مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ﴾ [نوح: 25] وقال سبحانه: ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 11-12] قال العلامة السعدي رحمه الله: جعلت السماء ينزل منها الماء شيء خارق للعادة، وتفجرت الأرض كلها، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلًا عن كونه منبعًا للماء، لأنه موضع النار.

وقوم عاد أهلكوا بالريح الباردة الشديدة البرد، قال عز وجل: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6-7] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار، ثم تنكسه على أم رأسه، فيسقط إلى الأرض فتثلغ رأسه، فيبقي جثة بلا رأس.

وقوم ثمود أهلكوا بالصيحة، قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ ﴾ [القمر: 31] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: فبادوا عن آخرهم، لم تبق منهم باقية، وخمدوا وهمدوا، كما يهمد يبس الزرع.

وقوط لوط رفعت قرى سدوم إلى السماء ثم جعل أعلاها أسفلها، ورجموا بحجارة من سجيل، قال الله جل وعلا: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ﴾ [هود: 82]

وقوم فرعون أغرقوا، قال عز وجل: ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 40].

 

 

 

وما أصابهم قد يصيب غيرهم إذا عملوا أعمالهم، فنبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام حذر قومه أن يصيبهم ما أصاب غيرهم من الأقوام السابقة من عقوبات، إذا استمروا في التكذيب والعصيان، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 89] وقال عز وجل بعد ذكره لعقوبة قوم لوط: ﴿ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 83] فهذه سنة الله في السابقين واللاحقين، أن من عصى وبغي وطغى فالعقوبة نازلة به ولو بعد حين، فالذنوب التي أهلكت الأمم السابقة لا تزال تهدم في الأمم الحاضرة، حتى تتحقق فيهم سنة الله الجارية.

وأعظم الذنوب التي تكون سببًا في العذاب والعقاب: الكفر والظلم، قال جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾ [يونس: 13] قال العلامة السعدي رحمه الله: يخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية، بظلمهم وكفرهم، بعد ما جاءتهم البينات، على أيدي الرسل، وتبين الحق، فلم ينقادوا لهم، ولم يؤمنوا، فأحل بهم عقابه، الذي لا يرد عن كل مجرم، متجرئ على محارم الله، وهذا سنته في جميع الأمم.

والظلم أنواع، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يعفر منه شيئًا وهو الشرك به فإن الله لا يغفر أن يُشرك به وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئًا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضًا، فإن الله تعالى يستوفيه كله وديوان لا يعبأ الله به شيئًا وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوًا، فإنه يُمحى بالتوبة، والاستغفار؟ والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ونحو ذلك. بخلاف ديوان الشرك، فإنه لا يُمحي إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها، واستحلالهم منها.

 

والله عز وجل لكمال عدله لا يظلم الناس عندما يُصيبهم بالعقوبات، بل الناس هم الذين يظلمون أنفسهم، بارتكابهم للذنوب، قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40] فلنبادر بالتوبة الصادقة من جميع أنواع الظلم، فربنا جل جلاله حليم لا يعاجل بالعقوبة من عصاه، لكن عندما يكثر الظلم وينتشر تأتي العقوبات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102] وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 42] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: فأبادهم الله، ولم يبق منهم مخبر، ولا عين، ولا أثر.

والعقوبات التي تصيب الناس، تتنوع فتارة تكون بالفيضانات، وتارة بالزلازل الأرضية، وتارة بالحروب المدمرة، وتارة بالأعاصير، وتارة بالبراكين، وتارة بالمجاعات، وتارة بالصواعق المهلكة، وتارة بالأمراض والأوبئة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) [أخرجه ابن ماجه، وصححه العلامة الألباني برقم (106) في سلسلة الأحاديث الصحيحة] وفي عصرنا عندما كثرت المعاصي وانتشرت، ظهرت في الناس الأمراض والأوجاع والأوبئة التي لم تكن فيمن سبقهم، والتي تصيب الحيوانات، والطيور، والبشر. [جنون البقر، إنفلونزا الطيور، وباء كورونا...الخ] نسأل الله الرحيم أن يتوب علينا، وأن يرحمنا، وأن لا يهلكنا بذنوبنا.

كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

=============

كتاب ربِّ اشرح لي صدري /كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

ربِّ اشرح لي صدري

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أعظم نعم الله عز وجل على عبده الإنسان أن يكون منشرح الصدر فأيّ نعيم أطيب من شرح الصدر؟ قال الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( ألم نشرح لك صدرك )  

والعبد المسلم بحاجة كبيرة أن يشرح الله عز وجل له صدره, حتى يستعين بهذا الشرح على إتمام وإكمال واستمرار أمور دينه ودنياه, فبدون هذا الشرح لا تتم أموره, أو لا تكمل, أو لا تدوم.  

ومن وفقه الله عز وجل فشرح له صدره, وجد لذلك فوائد, منها:

* أن يكون صدره منشرحاً  للعمل بأحكام الإسلام قال الله عز وجل : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) [ الأنعام:125] وقال جل وعلا: ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) [الزمر:22] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من شرح الله صدره للإسلام _ وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم _ يجد نفسه قابلاً لشرائع الإسلام مسروراً بها, ويفرح إذا أدى طاعة من طاعات الله تعالى, ويحزن إذا فعل معصية من معاصي الله تعالى, حتى إن الذين بلغوا الغاية في هذا يغتمون لما حصل منهم من خلل وإن لم يكن عن قصد, يعني إذا فاتته عباده يجد نفسه في غمٍّ وحُزن وأضرب لهذا مثلاً بالنبي صلوات الله وسلامه عليه لما سلَّم من ركعتين من صلاة الظهر انفتل من صلاته كأنه مغموم, فقام على غير عادته إلى خشبة في قبلة المسجد, واتَّكأ عليها, ووضع يديه كأنه مُغضب, لأن صلاته لم تتم, فانقبضت نفسُه من حيث لا يشعر.

* أن يتحمل أعباء الدعوة إلى الله, فعندما أمر الله جل جلاله عبده وكليمه موسى علية الصلاة والسلام بدعوة فرعون الذي طغى وعلا في الأرض وأدعى الربوبية والألوهية, امتثل أمر الله عز وجل, وسأله سبحانه وتعالى المعونة بشرح الصدر, قال الله عز وجل: ( اذهب إلى فرعون إنه طغى * قال ربِّ اشرح لي صدري ) [طه: 24-25] قال العلامة السعدي رحمه الله: ( ربِّ اشرح لي صدري )  أي: وسعه وأفسحه, لأتحمل الأذى القولي والفعلي, ولا يتكدر قلبي بذلك, ولا يضيق صدري, فإن الصدر إذا ضاق لم يصلح صاحبه لهداية الخلق ودعوتهم.

* أن يكون راضياً بقضاء الله وقدره, وما يحدث له من مصائب ونكبات, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وأما انشراح الصدر للحكم القدري, فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره, مطمئناً إليه, يقول أنا عبد, والله رب يفعل ما يشاء, هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم, هو يتألم لكنه لا يصل إلى أن يحمل همّاً أو غمّاً.

* زيادة العلم وقوة الفراسة, وقال جل وعلا: ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ) [الزمر:22] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: أن من شرح الله تعالى صدره للإسلام فقبل الحق فإنه على نور من الله ويتفرع عليها: زيادة علمه, لأن العلم نور, كما قال تعالى: ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) [النساء:174]

ويتفرَّع عليها: قوة الفراسة, بمعنى أن الله تعالى يُعطي الإنسان فراسة بحيث يعلم ما في قُلوب الناس من لمحات وجوههم, بل أكثر من ذلك يستدل بالحاضر على الغائب, ويُعطيه الله تعالى استنتاجات لا تكون لغيره.

 

 * أن يتحمل ما يجده في أمور الدنيوية ( الأسرية, الاقتصادية, الاجتماعية, الصحية) من عقبات وشدائد فكم من أناس واجهتهم في أمورهم ومشاريعهم مشكلات, فلم يشرح الله صدورهم, فلم يحلموا, ولم يتحملوا, ولم يصبروا, ولم يتصبروا, ففشلوا.

وما دام أن هذه بعض فوائد شرح الصدر فحري بالمسلم أن يحرص على أن يكون منشرح الصدر, ولذلك أسباب, ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله, فقال: لشرح الصدر أسباب:

فأعظم أسباب شرح الصدر: التوحيد, وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه

ومنها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد, وهو نور الإيمان, فإنه يشرح الصدر ويُوسعِّه, ويُفرح القلب, فإذا فُقد هذا النور من قلب العبد, ضاق وخرج, وصار في ضيق سجن وأصعبه. 

ومنها: العلم, فإنه يشرح الصدر, ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا, والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس, فكلما اتسع علم العبد, انشرح صدره واتسع, وليس هذا لكل علم, بل للعلم المورث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع, فأهله أشرحُ الناس صدراً, وأوسعهم قلوباً, وأحسنهم أخلاقاً, وأطيبهم عيشاً.    

ومنها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى, ومحبته بكل القلب, والإقبال عليه, والتنعم بعبادته, فلا شيء أشرحُ لصدر العبد من ذلك,...وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر, وطيب النفس, ونعيم القلب, لا يعرفه إلا من له حِسّ به, وكلما كانت المحبَّة أقوى وأشدَّ, كان الصدر أفسح وأشرح, ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن, فرؤيتهم قذى عينه, ومخالطتهم حمى روحه.

ومنها: دوام ذكره على كل حال, وفي كل موطن, فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر, ونعيم القلب, وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه.

ومنها بل من أعظمها: إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه, وتحول بينه وبين البُرء, فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره, ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه, لم يحظَ من انشراح صدره بطائل, وغايته أن يكون له مادتان تعتوران على قلبه, وهو للمادة الغالبة عليه منهما.

ومنها: الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال, والجاه, والنفع بالبدن, وأنواع الإحسان فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً وأطيبهم نفساً وأنعمهم قلباً والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً وأنكدهم عيشاً وأعظمهم همّاً وغمّاً

ومنها: الشجاعة: فإن الشجاع منشرح الصدر, واسع البطان, متَّسع القلب, والجبان: أضيق الناس صدراً, وأحصرهم قلباً, لا فرحة له ولا سرور, ولا لذة له.

ومنها: ترك فضول النظر, والكلام, والاستماع, والمخالطة, والأكل, والنوم, فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً, وهموماً في القلب, تحصره, وتحبسه, وتضيقه, ويتعذب بها, بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها, فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم, وما أنكد عيشه, وما أسوأ حاله, وما أشدَّ حصر قلبه.

ولا إله إلا الله, ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم, فلهذا نصيب وافر من قوله تعالى: ) إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [ الانفطار:13] ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى: ) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [ الانفطار:14]

وفي الختام فمن أحس بضيق في صدره, فليكثر من هذا الدعاء: رب اشرح لي صدري, ويسر لي أمري

سئل العلامة ابن عثيمين : أشعر بعض الأحيان بالضيق والاكتئاب، فما العلاج مأجورين ؟

فأجاب رحمه الله: ليُكثر أيضًا من هذا الدعاء: ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري

اللهم اشرح لنا صدورنا, ويسّر لنا أمورنا, ووفقنا لكل خير, ولا تكلنا إلى أنفسنا المقصرة طرفة عين, أو أقلّ من ذلك.  

 كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

==============

كتاب يمحق الله الربا.. كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يمحق الله الربا

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد: فلا يخفي شدة حبّ الإنسان للمال, كما قال الله عز وجل: ( وتُحبُّون المال حبّاً جمّاً ) [الفجر:20] أي: حباً عظيماً.

والمال فتنة, كما قال الله جل وعلا: ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) [التغابن:15] فالمال فتنة, ومن فتنته أنه قد يوقع الإنسان في طرق محرمه لاكتسابه, ومن تلك الطرق: الربا, الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: آكله, وموكله, وكاتبه, وشاهديه, وقال: ( هم سواء ) [أخرجه مسلم]  واللعن هو الطرد والبعد عن رحمة الله, نسأل الله السلامة والعافية.

لقد جعل الرسول علية الصلاة والسلام الربا من السبع الموبقات, أي: المهلكات في الحديث المتفق على صحته, بل أن الدرهم الواحد منه, أشدّ من الزنا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( درهم ربا يأكله الرجل, وهو يعلم, أشدُّ عند الله من ستةٍ وثلاثين زنية ) [أخرجه أحمد, وصححه الالباني في صحيح الجامع]

وآكل الربا إن تصدق لم يقبل منه, لأن كسبه خبيث, وقد قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه ) [البقرة:267] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ) [أخرجه مسلم]

وآكل الربا لا يستجاب له دعاء, ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر: ( الرجل أشعث أغبر, يطيل السفر, يمد يديه إلى السماء, يا رب, يا رب, ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذى بالحرام فأني يستجاب له)[أخرجه مسلم]   

وأكل الربا من أسباب سوء الخاتمة, يقول الشيخ عبدالله بن صالح القصير: وأكل الربا مجرب إنه من أسباب سوء الخاتمة لآكله,...فيفارق الدنيا على أسوءِ حال, منقلباً إلى أسوء مآل, بسبب ما جمعه من مال حرام.  

وبعد الموت يكون الربا من أسباب عذاب صاحبه في البرزخ, فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم _ ورؤيا الأنبياء حق_ أنه في شر حاله بعد موته, فقال: ( رأيت الليلة رجلان أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة....فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم, فيه رجل قائم, وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة, فأقبل الرجل الذي في النهر, فإذ أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان, فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع حيث كان.) وفي آخر الحديث قال الملكان للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل الذي رأيته في النهر آكل الربا.

فآكل الربا يعذب بعد موته بالسباحة في نهر من دم, وتقذف في فيه الحجارة, فتقذف به في وسط النهر. نسأل الله السلامة والعافية.

وبعد هذا العذاب يقوم آكل الربا من قبره يوم القيامة, كقيام المجنون الذي مسه الشيطان, قال الله عز وجل: ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) [البقرة:275] قال سعيد بن جبير رحمه الله: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق, وعن الضحاك رحمه الله قال: من مات وهو يأكل الربا بعث يوم القيامة متخبطاً كالذي يتخبطه الشيطان من المس.

وقال الشيخ عبدالله بن صالح القصير: أي: يقومون من قبورهم في صور المجانين, ولعل ذلك من سوء حالهم, وما يعتريهم من وحشة في قبورهم, وما نالهم من عذاب بعد موتهم, وذلك من أجل تعاملهم بالربا المحرم, واحتيالهم على الله بأنواع الحيل.

فكم جلب الربا من محن وبلايا !! ولو لم يكن إلا كونه حرباً لله ورسوله لكفى, كما قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) [البقرة:278-279]

ألا ليعلم آكل الربا أن عاقبة الربا إلى قلة, طال الزمان أو قصر, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلةٍ.) [أخرجه ابن ماجه, وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح, ورجاله ثقات] فالربا ظاهره أنه يزيد مال المرابين, وهو في الواقع يمحق بركته, لأن المال مال الله عز وجل, كما قال الله سبحانه وتعالى: ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم  ) [النور:33] فإذا كان المال مال الله, فلن يحصل العبد على  بركة المال إلا بطاعة الله, أما معصية الله عز وجل, في جني المال فعاقبتها وإن طال الزمان إلى محق بركته, قال الله سبحانه وتعالى : ( يمحقُ اللهُ الرِبا ) [البقرة:276] قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر  السعدي رحمه الله: أخبر تعالى أنه يمحق مكاسب المرابين...عكس ما يتبادر لأذهان كثير من الخلق...أن الربا يزيده, فإن مادة الرزق وحصول ثمراته, من الله تعالى, وما عند الله لا ينال إلا بطاعته, وامتثال أمره, فالمتجرئ على الربا, يعاقب بنقيض مقصوده, وهذا مشاهد بالتجربة.

يقول الإمام المراغي رحمه الله: إن عاقبة الربا الخراب والدمار, فكثيراً رأينا ناساً ذهبت أموالهم, وخربت بيوتهم بأكلهم الربا.

وقال الدكتور عمر بن سليمان الأشقر: بعض الذين أعراهم الإثراء الربوي....بين عشية وضحاها فقدوا كل شيء, وكثير منهم عاد فقيراً مديناً.

ويقول الشيخ عبدالله بن صالح القصير: كم رأى الناس من الأثرياء المرابين, أو الذين تأسست تجارتهم من الربا وعليه, لم تمض عليهم سنوات حتى محق ما بأيديهم, حيث علقتهم, وغلقت منهم الرهون, وأخذهم الله بالعذاب الهون.

ومن ألوان العذاب لهم إصابتهم بالأمراض, يقول الدكتور عمر بن سليمان الأشقر: لقد قرر عميد الطب الباطني في مصر الدكتور: عبدالعزيز إسماعيل في كتابه " الإسلام والطب الحديث " أن الربا هو السبب في كثرة أمراض القلب.

فليتق الله من يأكل الربا, وليخش من سوء العاقبة في الحياة قبل الممات, وليترك الربا طاعةً لله عز وجل, قال سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) [البقرة:278] قال العلامة العثيمين رحمه الله: يعني: إن كنتم مؤمنين حقاً فدعوا ما بقي من الربا.

ومن نوى ترك الربا طاعة لله فسيعينه الله, ولن يجد في ذلك مشقة كما يوسوس له الشيطان, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: إنما يجد المشقة في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله, فأما من تركها صادقاً مخلصاً من قلبه لله, فإنه لا يجد في تركها مشقة إلا في أول وهلة, ليُمتحن أصادق هو في تركها أم كاذب ؟ فإن صبر على تلك المشقة قليلاً استحالت لذةً.

وليبشر من ترك الربا طاعةً لله عز وجل بكل خير, فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه, قد يكون بشيءٍ من جنس المتروك, أو من غيره, ويالها من نعمة عظيمة لو عوضه الله جل جلاله بمحبته, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وقولهم: ( من ترك شيئاً عوضه الله خيراً منه ) حق, والعوض أنواع مختلفة, وأجلُّ ما يعوضُ به: الأنس بالله, ومحبته, وطمأنينة القلب به, وقوته, ونشاطه, وفرحه, ورضاه عن ربه تعالى.

 كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

========

ح ن

أ لا إنَّ رَبِّي أمرني أنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهِلْتُمْ، ممَّا علَّمَني يوْمِي هذا، كُلُّ مالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حلالٌ، وإنِّي خَلَقْتُ ...