تفسير القرطبي

Translate

السبت، 2 أبريل 2022

كتاب الربا والزنا والبلايا فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الربا والزنا والبلايا

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمما لا يخفى أن من أسباب العقوبات التي تحل بالعباد والبلاد: الذنوب والآثام, قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة والآجلة, نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وغفرانه"

والربا والزنا من الذنوب التي ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أنها من أسباب العذاب الذي يحل الناس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إذا ظهر الزِّنا والرِّبا في قريةٍ, فقد أحلُّوا بأنفسهم عذابَ اللهِ) [أخرجه الطبراني والحاكم وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع] والمقصود بالظهور الانتشار والكثرة, فإذا ظهرا وانتشرا فقد أنزل العباد بأنفسهم العذاب من الله.

لقد تجرأ كثير من الناس على التعامل بالربا إقراضاً واقتراضاً, واستثماراً لأموالهم في البنوك والشركات التي تتعامل بالربا, غير مبالين بأكل الحرام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال, أمِنَ الحلال أم الحرام) [أخرجه البخاري]

والناس في تعاملهم بالربا منهم: المجاهر الصريح, الذي يتعامل به, ويدعو غيره له, ويقنع الناس به, ومنهم: من يتعامل به, بعد إدخال بعض التغيرات على بعض صوره, وتغير مسماها, قال العلامة العثيمين رحمه الله: المُحرم لا ينقلب مباحاً بالتحايل عليه, بل أن التحايل عليه يزيده خبثاً, ويزيده إثماً, ولهذا ذُكر عن أيوب السخستياني رحمه الله أنه قال في هؤلاء المتحايلين: إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان فلو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وصدق رحمه الله"

ونتيجة لتساهل الناس وتحايلهم عمَّ الربا وانتشر, نسأل الله السلامة والعافية منه لجميع المسلمين.

الربا  كبيرة من كبائر, ومال صاحبه ممحوق, ويكفي من يتعامل بالربا أنه محارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, قال الله عز وجل: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ [[البقرة_278-279.]

قال العلامة العثيمين رحمه الله:الربا ليس بالأمر الهين والمؤمن ترتعد فرائضه إذا سمع مثل هذه الآية

إن المتعاملين بالربا يحاربون القوي الجبار العزيز الذي لا يعجزه شيء, فليحذر هؤلاء, فالربا من أسباب الكوارث التي تدمر الاقتصاد, ففي عام (1408هـ) انهارت أسواق الأسهم حول العالم ففقدت الكثير من قيمتها في فترة زمنية قصيرة, وتبخرت أموال الربا, ومحقها الله, كما قال سبحانه وتعالى: ] يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ[ [البقرة:276]                وفي عام ( 1429 هـ) حدثت الأزمة العالمية الاقتصادية التي كادت أن تدمر الاقتصاد العالمي لولا لطف الله.

جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة في شهر رجب عام(1406 هـ) " قد أثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته وأخلاقياته وسلامته وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم, وأنه لا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي نهى الإسلام عنه منذ أربعة عشر قرناً.

الذنب الثاني: الزنا, وهو من أسباب غضب الله عز وجل ونزل العقوبات بالعباد, ففي الصحيحين في خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف أنه قال: ( يا أمة محمد والله إنه لا أحد أغيرُ من الله أن يزني عبده أو تزني أمته, يا أمة محمد لو تعلمون, والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً) ثم رفع يديه وقال: ( اللهم هل بلغت )

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سرّ بديع لمن تأمله, وظهور الزنا من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة, وقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله سبحانه, ويشتد غضبه, فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: حديث بريدة عند الحاكم بسند جيد بلفظ:  (ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت)

وذكر الدكتور فضل إلهي في كتابه " التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي" أنه جاء في التوراة بأن غضب الله ينزل على الزناة, وينتقم الرب منهم.كما ذكر أنه في الديانة النصرانية أن الزنا موجب لغضب الله تعالى.

وقد ذكر أهل العلم أن الزنا لما انتشر في بني إسرائيل, وقع في بني إسرائيل الطاعون, فمات منهم سبعون ألفاً في يوم واحد.

وفي عام (1425هـ) حدث زلزال " تسونامي"  والذي مات منه ما يقرب من ثلث مليون من البشر وكان على شاطئ في جزيرة سياحية.

ومما سبق يتبين أن الربا والزنا من أسباب نزول العقوبات, التي تحل بالعباد والبلاد, وتسبب الخسائر في الأنفس والأموال, فينبغي مجاهدة النفس والتوبة من جميع الذنوب والآثام, لعل الله الرحيم الكريم أن يرفع ما حل بالمسلمين من بلاء ووباء.

والتوبة من الربا تكون بترك التعامل به, استثماراً, وإقراضاً, واقتراضاً, فالمرابي ليس له إلا رأس ماله لا زيادة عليه, قال الله عز وجل: ) وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ[  [البقرة:279] ومن تاب من الربا فليحمد الله ويشكره, ومن لم يتب فقد أحل بنفسه العذاب, فلينتبه لذلك, قال الله جل وعلا: ]  فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [  [البقرة:275]

أما الزنا فيكون بالتوبة من فعله سراً وجهاراً, والتوبة من مقدماته التي قد يتهاون بها العبد فتجره يوماً إلى الزنا, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كُتِبَ على ابن آدم نصيبه من الزنى, مدرك ذلك لا محالة, فالعينان زناهما, والأذنان زناهما الاستماع, واللسان زناه الكلام, واليد زناها البطش, والرجل زناها الخُطأ, والقلب يهوى ويتمنى, ويُصدقُ ذلك الكذب ويكذبه) [متفق عليه, واللفظ لمسلم] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله (فزنا العين النظر) أي: إلى ما لا يحل للناظر, قال ابن بطال: سمى النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي, ولذلك قال: (والفرج يصدق ذلك ويكذبه)

وقال الكرماني: وسمى النظر والمنطق زنا لأنهما من مقدماته وحقيقته إنما يقع بالفرج

وقال الإمام النووي رحمه الله: معنى الحديث أن ابن آدم قدّر عليه نصيب من الزنا, فمنهم من يكون زناه حقيقياً, بإدخال الفرج في الفرج الحرام, ومنهم من يكون زناه مجازاً بالنظر الحرام أو الاستماع إلى الزنا وما يتعلق بتحصيله, أو بالمس باليد, بأن يمسّ أجنبيه أو يقبلها,..أو الحديث الحرام مع أجنبيه, ونحو ذلك"

فينبغي مجاهدة النفس والتوبة من: النظر والسماع والكلام واللمس المحرم, ومن وفقه الله إلى التوبة منها فليحمد الله, ومن غلبه هواه فلا يستبعد العقوبة من الله.

اللهم ارحمنا, وارفع عن المسلمين ما أصابهم  من وباء كورونا, ووفقنا جميعاً للتوبة من جميع الذنوب, وأعنا على ذلك.

كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ 

==========

الفرار إلى الله عز وجل فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الفرار إلى الله عز وجل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:

فربنا جل جلاله رحيم بعباده، ومن رحمته سبحانه وتعالى بعباده أن ينزل بهم الشدة مما يُلجِئهم إلى الإنابة إليه، والتوبة مما هم عليه من خطايا وآثام؛ قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "ورحمته تعالى سبقت غضبه وغلبته، وظهرت في خلقه ظهورًا لا ينكر ... وعلم تعالى من مصالحهم ما لا يعلمون، وقدَّر لهم فيها ما لا يريدون، وما لا يقدرون، وربما أجرى عليهم مكاره توصلهم إلى ما يحبون، بل رحمهم بالمصائب والآلام".

فالله جلت قدرته قد يقْدر ما تحصل به الشدة في معايش الناس بنقصها، وقد يقدر الشدة في أنفس الناس بظهور الأمراض والأوبئة جزاء بعض أعمالهم؛ رجاء أن يرجعوا إليه بالتوبة، والإنابة، فالكافر باعتناق الإسلام، والعاصي المسلم بالرجوع إلى الله؛ فتصلح أحوالهم، وتستقيم أمورهم، وهذا من رحمة الله عز وجل بهم؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  [الزخرف: 48]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: "لعلهم يرجعون إلى الإسلام ويذعنون له، ليزول شركهم وشرهم".

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  [الروم: 41]؛ قال العلامة العثيمين رحمه الله: "العقوبات قد تكون سببًا للرجوع إلى الله؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  [الروم: 41]

 وقال الله جل وعلا: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  [السجدة: 21]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "قال ابن عباس: يعني بالعذاب الأدنى: مصائب الدنيا، وأسقامها، وآفاتها، وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه"، وقال العلامة السعدي رحمه الله: "ولما كانت الإذاقة من العذاب الأدنى في الدنيا قد لا يتصل بها الموت، أخبر تعالى أنه يذيقهم ذلك؛ لعلهم يرجعون إليه، ويتوبون من ذنوبهم".

والناس عندما يصابون بشيء من عذاب الله في الدنيا؛ منهم من يرجع إلى ربه، ومنهم من يبقى على غيه وضلاله، نسأل الله السلامة، ففرعون وملؤه من قومه أُصيبوا بأنواع من العذاب في الدنيا؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "أرسل الله على آل فرعون الجراد والقُمَّل والضفادع والدم، أربع آفات، الجراد يفسد الزروع بعد خروجها ويأكلها، القمل يفسد القوت إذا حُصد وأُدخل جاءه القمل وهو السوس الذي يتلفه ... والضفادع بالماء امتلأت مياههم ضفادع، حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يشرب الماء بسبب الضفادع والعياذ بالله، والدم: الصحيح أن المراد به النزيف". ومع هذه العقوبات الدنيوية الشديدة ما تابوا ولا أنابوا إلى ربهم؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ما رجعوا عن غيهم وضلالهم، وجهلهم وخبالهم". ولم يقف الأمر عند هذا، بل إنهم ضحكوا وسخروا من الآيات التي جاء بها موسى؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ  [الزخرف: 47]، نسأل الله السلامة من حالهم.

ومن الناس من إذا أُصيب بعذاب الدنيا، رجع عما كان عليه من ضلال، فقد رجع بعض قوم قريش بعد أن أُصيبوا بعذاب الدنيا؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "منهم من رجع، ومنهم من لم يرجع، فإن قريشًا أُصيبوا بالجدب والسنين والقتل ببدر؛ فقد قُتِلَ شُرفاؤهم، والأسر أيضًا، ومع ذلك منهم من رجع، ومنهم من لم يرجع، فمن أراد الله له النجاة، أحيا قلبه بهذه المواعظ فرجع، ومن طبع الله على قلبه، بقي على ما هو عليه ولم يرجع".

اللهم اجعلنا ممن أحييت قلبه فاعتبر واتعظ بما يحدث حوله، فرجع إليك، وأناب إليك، وفر إليك؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ  [الذاريات: 50]؛ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالإيمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته"، وقال الإمام البغوي رحمه الله: "﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ : فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه، بالإيمان والطاعة"، وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ  بالتوبة من ذنوبكم؛ والمعنى: اهربوا مما يوجب العقاب من الكفر والعصيان إلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإيمان".

اللهم اجعلنا وجميع المسلمين ممن يهرب من عقابك وعذابك إلى ما يوجب رحمتك؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "الناس لا يعاقبون إلا بأسبابهم؛ لقوله: ﴿ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ  [الروم: 41]، فيتفرع عن ذلك أن من أراد أن تُرفع عنه العقوبة فليتب إلى الله؛ فإن التوبة من أسباب رفع العقوبة وجلب المثوبة ... فالعقوبات قد تكون سببًا للرجوع إلى الله؛ لقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ  [الروم: 41] ... وكم من إنسان صارت عقوبته بالضراء سببًا لرجوعه إلى ربه!".

اللهم اجعل فيما أصابنا صلاحًا لنا ولجميع المسلمين، يا رحمن، يا رحيم

    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

=========

كتاب فاستقم كما أمرت. جهلان إسماعيل



فاستقم كما أمرت.
جهلان إسماعيل

الاستقامة على منهج الله مطلب عسير يحتاج إلى مجاهدة وصبر طويل والاستقامة من أعظم ما يمكن أن يتصف به إنسان في هذه الحياة وهي أعظم إنجاز قد يحققه المرء في حياته ولا غرابة في ذلك فإن الاستقامة في الدنيا على منهج الله منوط بها الفلاح والنجاح في الآخرة. 
 
وقد تعددت تعريفات العلماء للاستقامة ورغم اختلاف الألفاظ فكلها تصب في معنى واحد. 
 
قال ابن رجب الحنبلي الاستقامة (هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة)>
 
وسُئل ِصديقُ الأمة وأعظمُها استقامة – أبو بكر الصديق عن الاستقامة؟ فقال: ((أن لا تشرك بالله شيئًا)) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب)) . 
 
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: ((استقاموا: أخلصوا العمل لله )) .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((استقاموا أدوا الفرائض )) . 
 
وقال الحسن البصري رحمه الله : (( استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته))
ومن خلال هذه التعريفات والأقول يمكن القول بأن الاستقامة معنى جامع وشامل يندرج تحته استقامة الاعتقاد واستقامة الأقوال واستقامة الأعمال.
أولا: الاستقامة في الاعتقاد: وهو أن يكون الانسان صاحب اعتقاد صحيح وعقيدة سليمة وتصور واضح عن الالوهية ، فلا يشرك بالله أحدا من خلقه مهما كانت مكانته عند الله ولا يتخذ من دون الله أربابا يتوجه لهم بالعبادة، فكل هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ومن أتى شيئا من هذه الأشياء فقد أشرك بالله و الشرك هو أعظم ذنب عُصِيَ الله تعالى به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ النساء: 116
ومما يحزن القلب أن تجد في بلاد المسلمين كثيرا من الجهلة والمغرر بهم من بعض مشايخ وعلماء السوء أو ممن ورثوا هذه العادات والاعتقادات الجاهلية وتربوا عليها حتى حسبوها دينا.
فتجد من يطوفون بالأضرحة ويلتمسون البركات من أموات مقبورين لا حيلة لهم.
وتجد منهم من ينذرون ويذبحون لغير الله .
ومنهم من يجعلون بينهم وبين الله واسطة فيدعونهم ويسألونهم الشفاعة ويتوكَّلون عليهم. قال تعالى :
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ يونس: 18.
وقال تعالى: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ الزمر: 3.
أعجب ممن يقول الله أكبر ويرددها دائما بلسانه وإذا فتشت في قلبه وجدت ألف ند لله أكبرُ عنده من الله. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا
و من أبشع الانحرافات وأبعدها عن الاستقامة أن يقول الانسان على الله بغير علم وينسب إليه سبحانه أشياء غايةً في القباحة لا تليق به جل شأنه ولا يستوعبها صاحب العقل السليم كمن ينسب لله الولد أو كالذين يدّعون أن الله حل في بعض مخلوقاته وتجسد فيهم مثل من يقول إن الله حل في علي رضي الله عنه ثم حل في أولاده من بعده واحدا بعد واحد حتى حل في الحاكم العبيدي أبي على المنصور ابن العزيز ويعتقدون بأن الحاكم الصورة الناسوتية للإله ويعتقدون أنه أي الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
ثانيا : الاستقامة في القول : بأن يقول الانسان الحق الذي يرضى الله عز وجل مهما كانت العواقب ولا يخشى في الله لومة لائم .
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر.”
وأن يلزم ذكر الله ليل نهار .
قال تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً”.
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مثل الذي يذكر ربه و الذي لا يذكر ربه مثل الحي و الميت”.
وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خير لكم من أنفاق الذهب و الورق و خير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم؟ ” قالو بلى . قال : (ذكر الله تعالى)
وأن يكون حسن الخلق في التعامل مع الناس، ينتقي أطايب الكلام.
قال الله عز وجل (وقولوا للناس حُسنا )
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))
إن استقامة اللسان ركن مهم من أركان الاستقامة
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أصْبَح ابن آدَم، فإن الأعضاء كلَّها تَكْفُرُ اللِّسان، تقول: اتَّقِ الله فِينَا، فإنَّما نحن بِك؛ فإن اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وإن اعْوَجَجْتاعْوَجَجْنَا)
فاللسان أشد الجوارح خطراً على الإنسان ، فإن استقام استقامت سائر جوارحه، وصلحت بقية أعماله، وإذا مال اللسان مَاَلت سائر جوارحه وفسدت بقية أعماله”
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)
فاللسان إما أن يكون مصدر سعادة لصاحبه، وإما نقمة عليه، فإن سَخَّره في طاعة الله كان سعادة له في الدنيا والآخرة، وإن أطلقه فيما لا يرضي الله -تعالى- كان حَسْرة عليه في الدنيا والآخرة.
ثالثا: الاستقامة في العمل: والاستقامة في العمل تعني عبادة الله بما شرع من عبادات وأداء الفروض وتحقيق الأركان والتقرب إلى الله بالنوافل والطاعات والبعد عن المنهيات التي نهى الله عنها .
الاستقامة في العمل لا تعني في الإسلام مجرد القيام بالعمل بل تعني أيضا اتقان العمل وتجويده وتقديمه في أحسن صورة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ . فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى , ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ , فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ – ثَلاثاً – فَقَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ , فَعَلِّمْنِي , فَقَالَ : إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ , ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك مِنْ الْقُرْآنِ , ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً , ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً , ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً, ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً . وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا
هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل كيف يصلي وكيف يحسِّن صلاتهويجوِّدها.وفي الحديث رسالة إلى من يصلون مثل صلاة هذا الرجل فيسرعون في صلاتهم كأنهم يريدون التخلص من عبء يثقل كواهلهم. مساكين هؤلاء لم يطمئنوا في صلاتهم ولم يستشعروا حلاوة المناجاة والوقوف بين يدي الله. أما والله لو فعلوا لما أرداو الخروج من الصلاة أبدا ولأطالوا الوقوف بين يدي الله عز وجل .
ولقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإتقان العمل مهما كان هذا العمل فقال: (إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ). والاستدلال هنا في الحديث أنَّ على العبدِ المسلم إتقانُ العملِ، حتى وإن كانَ هذا العمل في ذبحِ الحيوانات، فمن باب أولى الإتقان في باقي الأعمال الأخرى.
إن المسلم شعاره في كل عمل يقوم به سواء كان هذا العمل عملا دنيويا من أمور المعاش أو عملا من أعمال العبادة المحضة قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)
ولأهمية الاستقامة في حياة المسلم جاء الأمر بالاستقامة في القرآن صريحا واضحا لا لبس فيه ولا غموض.
يقول الله عز وجل (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) سورة هود.
وقد وعد الله أهل الاستقامة بالأجر العظيم والثواب الجزيل نظير صبرهم ولزومهم منهج الاستقامة وعدم الانحراف عنه مهما كانت المغريات ومهما كانت العوائق والعراقيل.
يقول لله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32))
آمنوا بالله الواحد الأحد ثم استقاموا ..
استقاموا في عقيدتهم فلم يشركوا بالله أحدا ولم يلتفتوا إلى إله غيره من تلك الآلهة الزائفة.
واستقاموا بأقوالهم وألسنتهم..
واستقاموا في أعمالهم فأدوا الفرائض وعملوا بالأركان ولم ينقصوا منها شيئا
واستقاموا بتركهم ما نهى الله عنه من الفواحش والقبائح.
واستقاموا بقيامهم بواجبهم في الدعوة إلى هذا الدين وتبصير الناس بمبادي هذا الدين ومحاسنه والأخذ بأيدي من ضلوا الطريق وإعادتهم إلى صراط الله المستقيم.
هؤلاء لا يخافون ولا يحزنون وتتنزل عليهم الملائكة عند الموت لتبشرهم بالجنة والثواب العظيم وأنا ما هم قادمون عليه من أمر الآخرة خير لهم وأبقى من الدنيا الفانية التي تركوها وأن الله قد أعد لهم جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر جزاء استقامتهم على منهج الله في الدنيا.
نسأل الله عز وجل أن نكون من أهل الاستقامة وأن نكون ممن تبشرهم الملائكة عند الممات (أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
==========

قدرة الله جل جلاله/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قدرة الله جل جلاله

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد:

فمن أسماء الله عز وجل الحسنى: القدير، والمقتدر، والقادر، وتدل جميعها على ثبوت القدرة صفةً لله سبحانه وتعالى؛ قال جل وعلا: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: أي: يوجِد المعدوم، ويعدم الموجود بدون عجز؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]، وقال الله عز وجل: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾ [الكهف: 45]، فالله سبحانه وتعالى قادر على فعل أي شيء، إيجادًا وإعدامًا، وليس بين الإيجاد والعدم إلا كلمة: (كُن)؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]؛ قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: "كل أمر يريده فَعَلَه لا يتعاصى عليه شيء، ولا يعارضه أحد، وليس له ظهير، ولا عوين، ولا مساعد على أي أمر يكون، بل إذا أراد أمرًا، قال له: كن فيكون".

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]، فالله جلت قدرته قادر على إرسال العذاب على العباد من فوقهم، ومن تحتهم؛ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "عنى بالعذاب من فوقهم: الرجم أو الطوفان وما أشبه ذلك مما ينزل عليهم من فوق رؤوسهم، ومن تحت أرجلهم: الخسف وما أشبهه".

وقال الله عز وجل: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي: هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه؛ كما قال: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]؛ قال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره، وقال: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 19]؛ أي: وما هو ممتنع عليه".

فالعباد مهما بلغت قدرتهم عددًا ومددًا، فلن تغنيهم من الله شيئًا، فقدرة الله سبحانه وتعالى ما زالت تُرِي عجيبًا، وتبدي غريبًا، لمن كان فطنًا لبيبًا، وتوقظ بزواجرها سالمًا ومربيًّا.

فما من زمان إلا ويظهر فيه من قدرة الله ما يبهر العقول، فمن زلازل مزلزلة كانت للجبال مقلقلة، ومن خسوف وكسوف متتالية، ومن رياح عاصفة، ومن صواعق مدمرة، ومن براكين مهلكة، ومن فيضانات مغرقة، ومن أوبئة قاتلة - تدل على قدرة الله الخالق، وما ظلم الله عباده؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 182]، فالعباد هم الذين يظلمون أنفسهم؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 117]، والعباد إذا ظلموا أنفسهم بالذنوب والعصيان، أراهم الله عز وجل قدرته، فصاروا حيارى على ما أصابهم، سكارى على ما وقع بهم، فالعقول ذاهبة، والقلوب ذاهلة، والعيون باكية، والدموع منسكبة، والغموم في الصدور مقيمة، والهموم على الفؤاد مخيمة، وليس عما قضاه الله محيد، نسأل الله العفو والرحمة.

ومع قدرة الله عز وجل التامة على إنزال العقاب بمختلف أنواعه على عباده إذا هم عصَوه، فإنه سبحانه وتعالى عَفُوٌّ؛ قال عز وجل: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149]؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "إذا علمنا أن الله عفو، وأنه قدير، أوجب لنا ذلك أن نسأله العفو دائمًا، وأن نرجو منه العفو عما حصل منا من التقصير".

فلنكثر من الدعاء بأن يعفو الله عنا؛ قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: ((أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني))؛ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "العفوُّ من أسماء الله تعالى، وهو يتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو من عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، وإذا عفا بعضهم عن بعض، عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته".

إن ما يجري من حوادث وكوارث آياتٌ من الله لعباده منذرة، ومن سِنةِ الغفلة موقظة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59]، فهي عبرة للحصيف العاقل، وتنبيه لسرعة التوبة من الغافل، وتذكير للمتباطئ عن الطاعة والمتثاقل ليسابق ويبادر، وحسرة على المصر المتغافل؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 60]، نسأل الله السلامة من حالهم، كما نسأل الله الكريم الرحيم أن يعفو عنا، وأن يرحمنا، وأن يتجاوز عنا، وأن يرفع عنا كل بلاء ومكروه، إنه سميع مجيب، هو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

============

كتاب رياض الصالحين ..ابواب

  كتاب رياض الصالحين ابواب باب بر الوالدين وصلة الأرحام قال اللَّه تعالى (النساء 36): {واعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئاً، وبالوال...