تفسير القرطبي

Translate

السبت، 2 أبريل 2022

كتاب رسالة إلى الموسرين من المسلمين في وباء كورونا || لفهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى الموسرين من المسلمين في وباء كورونا

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..أما بعد:

فقد حثَّ الله عز وجل عباده في أكثر من آية في كتابه على الإنفاق في سبيله؛ قال الله جل جلاله: ﴿ منْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: سمى الإنفاق قرضًا؛ حثًّا للنفوس، وبعثًا لها على البذل؛ لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بدَّ، طوَّعت له نفسه بذله، وسهُل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض مليٌّ وفيٌّ محسن، كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه، فإن علم أنَّ المستقرض يتَّجر له بما أقرضه، وينميه له، ويثمِّره حتى يصير أضعاف ما بذله، كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كلِّه يزيده من فضله وعطائه أجرًا آخر من غير جنس القرض، وأن ذلك الأجر حظ عظيم، وعطاء كريم، فإنه لا يتخلف عن قرضه، إلا لآفة في نفسه من البخل والشح، أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهانًا لصاحبها.

وقال رحمه الله: في الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله، فمنها: أنها تقي مصارع السوء، وتدفع البلاء، حتى إنها لتدفع عن الظالم، وتطفئ الخطيئة، وتحفظ المال، وتجلب الرزق، وتفرح القلب، وتوجب الثقة بالله، وحسن الظن به، وترغم الشيطان، وتزكِّي النفس وتنميها، وتُحبب العبد إلى الله، وإلى خلقه، وتستُر عليه كل عيب، وتزيد في العمر، وتستجلب أدعية الناس ومحبتهم، وتدفع عن صاحبها عذاب القبر، وتكون عليه ظلًّا يوم القيامة، وتشفع له عند الله، وتهون عليه شدائد الدنيا والآخرة، وتدعوه إلى سائر أعمال البر، فلا تستعصي عليه، وفوائدها ومنافعها أضعاف ذلك.

نعيش هذه الأيام في شهر رمضان شهود الجود، وهو سَعة العطاء وكثرته، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان جوده صلى الله عليه وسلم يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضًا، فإن الله جبَله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة، وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة: منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة.

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا، واتِّقاء جهنم والمباعدة عنها، وخصوصًا إن ضُمَّ إلى ذلك قيامُ الليل، ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، ولا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.

ومنها: أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقصٌ، وتكفير الصيام لذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه، وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل".

ولهذا استحبَّ أهلُ العلم أن يزيد المسلم من جوده في شهر رمضان، قال الإمام الشافعي رحمه الله: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

في هذا العام (1441هـ) وبسبب جائحة كورونا، صار البعض من المسلمين بحاجة إلى من يساعدهم ويخفِّف عليهم من آثار هذه الجائحة، وقد منَّ الله عليك بالمال، فالمال الذي بيدك مال الله؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النور: 33]؛ قال العلامة السعدي رحمه الله: المال مال الله، وإنما الذي بأيديكم عطية من الله لكم، ومحض منه، فأحسنوا لعباد الله، كما أحسن إليكم، فأحسن رعاك الله لعباد الله في هذه الجائحة من مال الله الذي أعطاك، وأجل مطالبة الفقراء بدَينك مهما طالت المدة، وجاهد نفسك للتصدق عليهم بالدين أو بعضه، خصوصًا لمن كان بحاجة ماسة منهم، فذلك فضل ستجد ثوابه يوم القيامة عند الله الكريم؛ قال عز وجل: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].

وأحسن إليهم كذلك بالتصدق عليهم بما يحتاجون من مؤن ونحوها، وما يدريك أن هذه الصدقات تقيك من أهوالٍ عظيمة، يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق في يوم القيامة، فتكون ظلًّا لك؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الصدقة يجعلها الله سبحانه وتعالى شيئًا محسوسًا يظلُّ صاحبه وحدثني رجل أنه كان بخيلًا ولا يأذن لامرأته أن تتصدق بشيء من ماله، فرأى في المنام كأنه في يوم القيامة وكأن الشمس قريبة من الناس والناس يموج بعضهم في بعض، وهم في حرٍّ شديد ومشقة، فجاء شيء مثل الكساء، فظلل عليه، لكن فيه ثلاثة خروق تدخل منه الشمس، يقول: فرأى شيئًا يشبه التمرات جاءت وسدت هذه الخروق، فانتبه وهو متأثر من الرؤيا، فقصُّها على زوجته، فقالت: الذي رأيته حق جاءني فقير وأعطيته ثوبًا وجاء بعده فقير فأعطيته ثلاث تمرات، سبحان الله الثوب الكساء، والتمرات هي التي جاءت ورقعت الشقوق الثلاثة التي في الثوب.

وتذكر أن العبد المفرط عند موته يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليتصدق؛ قال عز وجل: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 10، 11].

وهذا السؤال والتمني قد فات وقته، ولا يمكن تداركُه، أما اليوم فيمكنك التصدق والإحسان، فبادر واحذَر من وساوس الشيطان، فهو ماكر خبيث يخوِّفك بالفقر؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة:268]، فأنت بين داعيين: داعي الرحمن الذي يدعوك إلى الإنفاق والإحسان، ويعدك عليه الفضل والثواب في العاجل والآجل، وبين داعي الشيطان الذي يزيِّن لك إمساك المال، ويخوفك بالفقر، فاجعَل داعي الرحمن ينتصر على داعي الشيطان تفز بالجنان والحور الحسان والنعيم المقيم، وفَّقك الله لكل خير.

كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

===========

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ) كلَّ عذابٍ وبلاءٍ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ )

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد:

فالعذاب أنواع، منه ما يكون في الدنيا، ومنه ما يكون عند الموت وخروج الروح، ومنه ما يكون في القبر، ومنه ما يكون في الآخرة، ومنه ما يكون فيها جميعًا، نسأل الله الكريم الرحيم لنا، ولعموم المسلمين السلامة من جميع أنواع العذاب.

والعذاب في الدنيا، قد يكون حسيًّا في البدن، وقد يكون معنويًّا في القلب والنفس، والعذاب الدنيوي له أسباب متعددة؛ منها: استعجال العذاب، فالمكذبون للرسل لجهلهم وظلمهم وعنادهم، يطلبون تعجيل العذاب لهم في الدنيا؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾ [العنكبوت: 53]؛ قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: يستعجلون بالعذاب لا أنهم يريدون العذاب، بل يستعجلونه تحديًا.

فقوم نوح، دعاهم نبيهم نوح عليه الصلاة والسلام إلى عبادة الله وحده لا شريك، وخاف عليهم نزول العذاب؛ قال الله عز وجل: ﴿ لقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ فَقالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ ﴾ [الأعراف: 59]، وبعد دعوتهم بالترغيب والترهيب، طلبوا منه أن يأتيهم بما وعدهم به من العذاب؛ قال سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ قالوا يا نوحُ قَد جادَلتَنا فَأَكثَرتَ جِدالَنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقينَ ﴾ [هود: 32]، قالوا ذلك تعنتًا وتكبرًا، فجاءهم العذاب الذي أهلكهم وأغرقهم؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]، وقال جل وعلا: ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 11-12]، قال العلامة السعدي رحمه الله: فجُعلت السماء ينزل منها الماء، شيء خارق للعادة، وتفجرت الأرض كلها، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلًا عن كونه منبعًا للماء؛ لأنه موضع النار، ﴿ فَالْتَقَى الْمَاءُ ﴾؛ أي: ماء السماء والأرض، ﴿ عَلَى أَمْرٍ ﴾ من الله له بذلك، ﴿ قَدْ قُدِرَ ﴾؛ أي: كتبه الله في الأزل وقضاه عقوبةً لهؤلاء الظالمين الطاغين.

وقوم عاد أنذَرهم نبيُّهم هود عليه الصلاة السلام، بوقوع العذاب إن لم يستجيبوا له في عبادة الله وحده لا شريك له، فطلبوا منه أن يأتيهم به؛ كما قال الله عز وجل عنهم: ﴿ واذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّـهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الأحقاف: 21-22]، فأرسل الله الريح التي دمَّرتهم وأهلكتهم، فأصبحوا صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، وهم الذين كانوا يقولون: ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾[فصلت: 15]، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أهلكهم الله بالريح التي هي من ألطفِ الأشياء، فدل هذا على كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنه مهما بلغ الناس من القوة، فليست قوتهم بشيءٍ بالنسبة إلى قوة الله.

وقوم ثمود، دعاهم نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال عز وجل: ﴿ وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ ﴾ [الأعراف: 73]، وقد أرسل الله لهم آية تدل على صدق نبيهم، كما طلبوا، وهي الناقة التي خرجت من الصخرة، وطلب منهم ألا يتعرضوا لها بسوء، فنحروها، وطلبوا من صالح أن يأتيهم بالعذاب إن كان من رسل الله حقًّا؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوا عَن أَمرِ رَبِّهِم وَقالوا يا صالِحُ ائتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ المُرسَلينَ ﴾ [الأعراف: 77]، فجاءهم العذاب، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَخَذَتهُمُ الرَّجفَةُ فَأَصبَحُوا في دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [الأعراف: 78]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: .. فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنَّطوا، وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه، عياذًا بالله من ذلك، لا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا كيف يأتيهم العذاب، وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس في ساعة واحة، ﴿ فَأَصبَحوا في دارِهِم جاثِمين ﴾؛ أي: صرعى لا أرواح فيهم، ولم يفلت منهم أحد، لا صغير ولا كبير، ولا ذكر ولا أنثى.

وقوم لوط، وعَظهم نبيُّهم لوط عليه السلام، وحذَّرهم من فاحشة اللواط، وبدل أن يستجيبوا له، ويتركوا هذه الفاحشة الشنعاء، طلبوا منه أن يأتيهم بالعذاب، قال الله عز وجل: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّـهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [العنكبوت: 28-29]، فقلَب الله جلَّت قدرته عليهم ديارَهم، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم من السماء حجارة من سجيل متتابعة، حتى أبادتهم وأهلكتهم.

وقوم شعيب، وعَظهم نبيُّهم شعيب عليه السلام، وأمرهم بإتمام الكيل عند بيعهم للناس، وعدم الإفساد في الأرض بالمعاصي، فطلبوا منه أن يسقط عليهم حجارة من السماء، قال الله عز وجل: ﴿ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾[الشعراء: 185-187]، فلما قال هؤلاء الجهلة ما قالوا، وكذبوا رسولهم، جاءهم العذاب، قال الله عز وجل:﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 189]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: الله سبحانه وتعالى جعل عقوبتهم أن أصابهم حرٌّ عظيم لمدة سبعة أيام لا يكنهم منه شيء، ثم أقبلت عليهم سحابة أظلتهم، فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بها من الحرِّ، فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررًا من نار ولهبًا ووهجًا عظيمًا، ورجفت بهم الأرض، وجاءتهم صيحة عظيمة أزهقت أرواحهم، ولهذا قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾.

وقوم قريش، طلبوا من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، إن كان صادقًا أن تمطر السماء عليهم حجارة، قال عز وجل: ﴿ وَإِذ قالُوا اللَّـهُمَّ إِن كانَ هـذا هُوَ الحَقَّ مِن عِندِكَ فَأَمطِر عَلَينا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائتِنا بِعَذابٍ أَليمٍ﴾ [الأنفال: 32]، قالوا ذلك مبالغة في الإنكار، وقد دفع الله عنهم العذاب لوجود الرسول عليه الصلاة والسلام بينهم، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَما كانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فيهِم وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ ﴾ [الأنفال: 33]، والله عز وجل عندما أخبرنا في القرآن الكريم بعذاب الأمم السابقة، وسبب عقوباتهم، كان الغرض أخذ العبرة والعظة، والبعض من الناس قد يستعجل نزول العذاب به، بلسان حاله، وليس بلسان مقاله، فالمعاصي والذنوب من أسباب العذاب والهلاك الذي يحل بالعباد والبلاد، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ﴾ [الأنعام: 6]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم.

فلنكن على حذر ووجلٍ، ولنتجنب كلَّ ما يستوجب نزول عذاب الله وعقابه، قال الحسن البصري رحمه الله: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.

فينبغي عدم الأمن من عذاب الله جل جلاله وعقابه الذي قد يأتي فجأة؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾[العنكبوت: 53]، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ أَفَأَمِنَ أَهلُ القُرى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنا بَياتًا وَهُم نائِمونَ*أَوَأَمِنَ أَهلُ القُرى أَن يَأتِيَهُم بَأسُنا ضُحًى وَهُم يَلعَبونَ * أَفَأَمِنوا مَكرَ اللَّـهِ فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الخاسِرونَ ﴾ [الأعراف 97-99]

نسأل الله الرحيم أن يعفوَ عنا، وأن يرحمَنا، وأن يقيَنا كلَّ عذابٍ وبلاءٍ  فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ    

=======

كتاب المنهج النبوي في التعامل مع النساء د. نهى قاطرجي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المنهج النبوي في التعامل مع النساء

د. نهى قاطرجي

مرّت المرأة عبر العصور بتقلبات كثيرة وفقاً لتوالي الحضارات، ففي بداية العصر اليوناني كانت المرأةكسَقط المتاع تُباع وتُشرى في الأسواق وكانت مسلوبة الحرية والمكانة في كل ما يرجع إلى حقوقها المدنية.واستمرت في هذا الوضع المتدني إلى نهاية العصر اليوناني حيث تحوّل الأمر، وحصلتالمرأةعلى حريتها في التنقل بدون مرافقة أحد.كما حصلت على بعض حقوقها التي كانت حرمت منها مثل الحق في التعليم. وهذا الواقع الجديد لم يستمر طويلاًفما أن جاءت الحضارة الرومانية حتى عاد التشدّد بالظهورفى حياة المرأة داخل الأسرة، وأصبحت"السلطة الوحيدة داخلها هي للرجل الذي يُعَدُّ المالك لأموال كل أفراد أسرته، وكان هو الذي يقوم بتزويج الأبناء والبنات دون إرادتهم، أما البنت فلم يكن لها حق في التملك" [1].

إن من أهم أسباب تردّ ي النظرة إلى المرأة عبر العصور هو موقفاليهودية والنصرانية منها.  كانت المرأة في اليهودية " مهانة على أمر لم يسعها دفعه، فكان اليهود إذا حاضت فيهم المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها. لأن المرأة في نظرهم هي أصل الخطيئة الأولى وبسببها طُرد الإنسان من الجنة. وهم يعتبرون المرأة لعنة لأنها أغوت آدم عليه السلام بزعمهم. جاء في التوراة " المرأة أمرّ من الموت، وإن الصالح أمام الله ينجو منها، رجلاً واحداً بين ألف وجدتُ، أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد"[2] .

أما عندالنصارى فإن النظرة إلى المرأة مرّت بمراحل.في المرحلة الأولى كان المسيح عليه السلام، يدعو إلى الرحمة بالمرأة.و من ذلك أنه "سمح لامرأة ملوثة بدم حيضها بأن تلمسه، أما في المرحلة الثانية فقد عمد رجال الكنيسة إلى تغيير كثير من تعاليم المسيح، وذلك نتيجة هولهم مما رَأوْا في المجتمع الروماني من انحلال خُلقي وفساد.ولقد بلغت شدة احتقار الكنيسة النصرانية للمرأة درجةً جعل رجالها يبحثون إذا كان ممكناً أن يكون للمرأة روح، وهذا ما حصل  في مؤتمر "ماكونMacon" الذي عقد في القرن الخامس الميلادي، وما شفع بالمرأة آنذاك هو كون مريم أم يسوع امرأة ولا يجوز أن تكون أم يسوع بلا روح [3].

وهذا الواقع المرّ الذي كانت تعاني منه المرأة عبر التاريخ لم تكن المرأة الجاهلية قبل الإسلام ببعيدة عنه،فكانت في زمنِ الجاهليةِ مُهانةً، مهضومة الحقوق، وكانت الفتاة توأد وهي حيّة، لأنها باعتقادهم كانت تجلب لهم العار،  يقول الله تعالى واصفاً حال الأنثى عندما نزل الوحي ﴿إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [ سورة النحل / الآيتان 58-59] .

هذه المعاناة التي عانت منها المرأة عبر العصور بدأت تتغير بمجرد مجيء الإسلام، حيث قام النبي عليه الصلاة والسلام بإحداث ثورة كبيرة في رؤية الناس والمجتمع للمرأة، وكان بتصرفاته وتعامله مع النساء نموذجاً للتكريم الذي أكرم الله  ﷻ بها المرأة أماً وأختاً وزوجة وابنة، فبعد أن كان يَسْوَدّوجه الرجل عند ولادة الأنثى، أصبحت ولادتها قبل الذكر يمن وبركة للأم، وبرها مقدماً على بر الأب، وتساوت معالرجل في العمل والجزاء،فقال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [ سورة آل عمران/ 195] .

لقد كان من نتيجة هذا التكريم أن كانت المرأة في مقدمة المؤمنين والمجاهدين.فالسيدة خديجة رضي الله عنها كانت أول امرأة أسلمت.  وسمية رضي الله عنها والدة عمّار هي أول شهيدة في الإسلام طعنها أبو جهل بحِربة في قُبُلها،  أما أول فدائية في الإسلام فهي نسيبة بنت كعب رضي الله عنها التي قال عنها رسول الله ﷺ :((ما التفتُّ يَمينًا ولا شمالاً إلاَّ وأنا أراها تقاتل دوني))أخرجه ابن سعد . أما صفية عمة الرسول ﷺ فقد كانت أول امرأة تقتل رجلاً من المشركين " .

هذا الحال الذي وصلت إليه المرأة المسلمة هو أكبر دليل على الأكاذيب التي يطالعنا بها أعداء الإسلام عن ظلم الرسول عليه الصلاة والسلام للمرأة. إن الرد على هذه التخاريف لا يكون  بمحاولة الدفاع عن تصرفات النبيﷺ وبيان كذب ادعائهم فقط، ولكن أيضاً بالتعريفبرحمة النبي ﷺ بالمرأة وإكرامه لها أماً وأختاً وزوجة وابنه، وكذلك بتبيان منهجه وتصرفاته مع الصحابيات ووصيته بالنساء بقوله  في حجة الوداع ((ألا فاستوصوا بالنساء خيراً )).

ونحن في هذه المحاضرة سنقسم حديثنا عن النبيﷺ وعلاقته بالمرأة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول : أقوال وأفعال النبي ﷺ مع نساءأهل البيت .

القسم الثاني: أقوال وأفعال النبيﷺمع النساء الصحابيات من حوله .

القسم الثالث: رؤية النبي ﷺ لما يعرف بحقوق المرأة.


 

القسم الأول : أقوال وأفعال النبي ﷺ مع نساء أهل بيته .

تذخر السنة النبوية بمواقف وأفعال كثيرة للنبي ﷺمع أهل بيته،  كلها تدلّ على إكرامه للمرأة وإحسانه إليها وعطفه وحبه لها، والذي تجلى في مواقف كثيرة نقلتها كتب السنة بدقة وأمانة. منها ما نقل على لسان الصحابة الذين شهدوا هذه المواقف، ومنها ما نقل على لسان النساء أنفسهن الذي عاشوا مع النبي ﷺ في بيته ونقلوا أقوالهوأفعاله بأمانة، وذلك بعد أذن لهم بنقلها حتى يعلم المسلمون حقيقة هذا النبي العظيم، وحتى ينقلوا للآخرين الأحكام الشرعية التي تعلموها منه عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ [ سورة الأحزاب / الآية 34] .

أولاً :سنةالنبيﷺ في التعامل مع الأمهات

فقد النبي ﷺ والدته وعمره ست سنوات. وهو وإن لم يعش معها فترة طويلة إلا أن حبه لها كان حباً قوياً.وكان أكثر ما يقلقه هو موتها على الشرك. وكان يتمنى لو أن الله  ﷻ أذن له أن يستغفر لها. وفي ذلك يقول أبو هريرة رضي الله عنه : زَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، ثُمَّ قَالَ((اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي؛ فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ))رواه مسلم.

أما وصاياه ﷺ بالأم، والبر بها، وحسن التعامل معها، فهي عديدة جداً وقد جاءت بمواقف متنوعة تظهر مدى تقديره لها، وتجلى هذا الأمر فيما يلي :

1-تقديمه بر الأم على بر الأب. فقد روي عن بهز بن حكيم رضي الله عنه أنه قال : حدثني أبي عن جدي،  قال : قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، مَن أبَرُّ؟ قال: ((أمَّك)). قلتُ: ثمَّ مَنْ؟ قال: ((أمَّك)). قُلتُ: ثمَّ مَن؟ قال: ((أمَّك). قُلتُ: ثمَّ مَن؟ قال: (( أباك، ثمَّ الأقرَبَ فالأقرَبَ)). رواه أبو داود.

2- الإرشاد إلى وجوب الإحسان إليها وبرّها، حتى وإن كانت مشركةً، فقد جاءت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- إلى رسول الله -ﷺ- تستفتيه في أن تصل أمها وهي مشركةً، فاجابها رسول الله ﷺ: ((نعم، صِلِي أمكِ)) رواه البخاري.

3- تفضيله ﷺ  بر الأم على الجهاد، وقد جاء رجلٌ للنّبي ﷺ يريدالذّهاب للجهاد معه ،فقالله النبي ﷺ : ((أحيَّةٌ أمُّكَ قُلتُ نعَم يا رَسولَ اللَّهِ ، قالَ ويحَكَ الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ )) رواه ابن ماجه .

4- الرفق بالأم حرة كانت أم عبدة،وقد تجلى هذا الأمر في مواقف عديدة منها :

- عندما حرم رسول الله عليه الصلاة والسلام  تفريق الولد عن والدته،  فقال : ((مَنْ فرَّق بين والدةٍ وولدِها ، فرَّق اللهُ بينَه وبينَ أحبَّتِه يومَ القيامةِ)) رواه الترمذي.

-عندما رفض أن يرجم الزانية  وهي حبلى من الزنى حتى تضع مولودها وتفطمه. قالت الزانية: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ». فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَلِيَّهَا، فَقَالَ((أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا)) فَفَعَلَ  .رواه مسلم.

- عندما كان يُقصر من الصلاة خشية على بكاء الطفل يريد ثدي أمه،  قالﷺ : ((إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي، مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ ) (متفق عليه .

إن مشاعر الرحمة والعطف على الصغير وعلى الأم المتعلقة بابنها لهو أكبر دليل على حسن خلق النبيﷺ ودماثة أخلاقة.وهذه الرحمة لا تراعيها الوثائق والاتفاقيات الدولية عندما تحوّل العلاقة بين الأم والطفل إلى وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي كان، وعندما تطالب أن تتلقى  الأم الأجر على هذه الوظيفة مثلها مثل أية وظيفة أخرى .

أخيراً نختم موضوع اهتمام النبي ﷺبالأم بالقولبأنه لم يكتف بتكريمها بل كرم أيضاً أختها وهي الخالة فجعل منزلتها بمنزلة الأم فقالﷺ: (( الخالة بمنزلة الأم  )) رواه الترمذي.

 

ثانياً:  سنة النبي ﷺ في التعامل مع الأخوات

لم يكن للنبيﷺ أخوة ولا أخوات،  ولكن كان له أخوة وأخوات من الرضاعة، ومن بينهن الشيماء بنت الحارث ابنة حليمة السعدية مرضعة الرسول. ومن المواقف التي تنقل عنها أنها  جاءته بعد أن وقعت أسيرة في إحدى المعارك، فما كان منه ﷺ إلا أن  افترش لها رداءه وقال لها: ((سلي تُعْطَيْ، واشفَعِي تُشَفَّعِي)( رواه البيهقي . ومن ثم خيّرها بين الإقامة معه معززة مكرمة أو العودة إلى قومها سالمة غانمة، فأختارت الشيماء قومها فأعتقها رسول اللهﷺ وأرسل معها العبيد والجوارىكى يصاحبوها فى سفرها.

وصحيح أن النبي ﷺ لم يكن له أخوات ولكنه كان يقدّر قيمة الأخوة، ومن وصاياهفي الأخت قوله : ((من كان له ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن فله الجنة)) رواه الترمذي.

رابعاً : سنة النبي ﷺ في التعامل مع زوجاته

كانت علاقة النبي ﷺ بزوجاته رضي الله عنهن علاقة مميزة مبنية على المودة والرحمة والعطف وليس على الاستبداد والظلم.فمع كثرة أعبائه ومسئولياته ﷺ،  ومع كثرة زيجاته وتنوع طباع نسائه وأعمارهن، إلا أن هذا لم يمنعه من العدل بينهن وتوزيع محبته وعطفه بينهن، فكان بشهادتهن زوجاً محباً، جميل العشرة، دائم البشر، يداعبهن، ويتلطف بهن، ويوسعهن نفقة، ويضاحكهن، ويصبر عليهن، ويعينهن في أمور البيت.. وقد سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي ﷺ يعمل في بيته؟ قالت :" يخصِفُ نعلَهُ ، ويعملُ ما يعملُ الرَّجلُ في بيتِهِ . وفي روايةٍ : قالت : ما يصنَعُ أحدُكُم في بيتِهِ : يخصِفُ النَّعلَ ، ويَرْقَعُ الثَّوبَ ، ويَخِيطُ " صحيح الأدب المفرد .

ومن نماذج معاملته لهن نذكر ما يلي:

1- حبه لزوجاته

وتدل تصرفات العطف والحب التي كان يمارسها النبي ﷺ  مع نسائه من دون تمييز بينهن صدق قوله ﷺ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي))رواه الترمذي.

وإذا كانت الأحاديث التي تدل على حبه الشديد لخديجة رضي الله عنها وللسيدة عائشة رضي الله عنها إلا أنه لم يظهر هذا الميل القلبي  لنسائه الأخريات بل انه كان يتصرف مع كل واحدة منهن كأنها حبه الوحيد. ومن مظاهر هذا الحب مواساته لزوجته صفية عندما بلغها أن حفصة قالت عنها: بنت يهودي! فبكت فدخل عليها النبي ﷺ وهي تبكي، فقال لها: ((مَا يُبْكِيكِ؟)) فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي ﷺ: ((إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟)).ثم قال: ((اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ)).رواه الترمذي.

ومن مظاهر مواساته لزوجاته ما روي أن صفية رضي الله عنها "خرجت مع رسول اللهﷺفي سفر، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول اللهﷺوهي تبكي وتقول: حملتني على بعير بطيء. فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ويسكِّتها ..."رواه أحمد .

حب النبي ﷺ لخديجة رضي الله عنها

كانت خديجة رضي الله عنها أول زوجات النبي عليه الصلاة والسلام وأم كل أولاده ما عدا إبراهيم. وكان رسول اللهﷺ يقول عنها : ((سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم ابنة عمران، فاطمة، وخديجة، وآسية امرأة فرعون)) رواه الطبراني . ومن مظاهر حبه لها :

أ-اعترافه بحبه لها، وفي ذلك يروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : "ما غِرتُ على نساءِ النبيِّ ﷺ إلّا على خديجةَ، وإنّي لم أُدركها، قالت: وكان رسولُ اللهِ ﷺ إذا ذبح الشّاةَ فيقول: ((أرسلوا بها إلى أصدقاءِ خديجةَ ))، قالت: فأغضبتُه يوماً فقلتُ: خديجةُ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ :(( إنّي قد رُزِقْتُ حُبَّها)). رواه مسلم

ب- تكريمه لأقاربها بعد وفاتها،فكانﷺ يستبشر فرحاً عندما كانت تأتي أختها هالة، وفي ذلك يروى عن عائشة رضي الله عنها: " استأذنت هالةُ بنتُ خويلدٍ -أختُ خديجةَ- على رسولِ اللهِ ﷺ، فعرف استئذانَ خديجةَ فارتاح لذلك، فقال: ((اللهم هالةُ بنتُ خويلدٍ ))، فغِرْتُ فقلتُ: وما تذكرُ من عجوزٍ من عجائزِ قريشٍ، حمراءَ الشدقيْنِ، هلكت من الدهرِ، فأبدلك اللهُ خيراً منها"  رواه مسلم . ويدل هذا التجريح في الكلام من قبل السيدة عائشة على شدة غيرتها من السيدة خديجة رضي الله عنهما، وذلك بسبب استئناس النبي ﷺ بأختها لأنها تذكره بها .

أما حبه لعائشة رضي الله عنها فيظهر في مواقف عديدة منها:

عرف عن النبي ﷺ حبه وتعلقه الشديد بالسيدة عائشة رضي الله عنها فكانﷺ يقسم بين نسائه، ويحرص على أنيعدل بينهن،  ثم يقول: ((اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)) رواه الترمذي.  وكان يقول : ((إِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِعلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)) رواه البخاري .

وكانمنعظيممحبَّتهلهاأنهكان يشاركها المأكل والمشرب من الإناء نفسه. فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كُنْتُ أَشْرَبُ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّﷺ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ" .رواه البخاري

وكان "يدلعها" فيقول لها : ((يا حميراء )). والحميراء يراد بها البيضاء".وكان يخرج معها للتنزُّه بالليل. وكان من شدة حبه لها يعرف طباعها جيداً فكان يقول لها : ((إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَىَّ غَضْبَى ))‏‏.‏ قَالَتْ: فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ ((أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ‏)).‏ قَالَتْ قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ‏. اخرجه البخاري.

ومن نماذج حب النبي ﷺ للسيدة عائشة ودفاعه عنها، نورد ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام رداً على حادثة الإفك التي اتهمت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها بالفاحشة،   فما كان منه إلا أن صعد المنبر وقال :  ((يا معشرَ المسلمين، مَن يَعْذُرُني مِن رجلٍ قد بلَغَني عنه أذاه في أهلي، واللهِ ما علمتُ على أهلي إلّا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلّا خيراً وما يَدْخُلُ على أهلي إلّا معي)) رواه البخاري ، ولقد تأذى النبي ﷺ كثيراً  من هذا الكذب الذي طال أم المؤمنين، إلا أن الله تعالىبرأها في آياتٍ تُتلى إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [ سورة النور / الآية 11] .

2-حلمه وحكمته  مع زوجاته

كان النبي ﷺحليماً مع زوجاته، ويقابل جفوتهن بصدر رحب، فكان إذا رأى من زوجاته ما يسوؤه لا يقابله سوى باللطف والحكمة. وهذا يدل على فهمه العميق لمفهوم القوامة. ففي الحياة الزوجية تعاني المرأة من كثير من الضغوطات والصعاب التي قد تجعلها تخرج عن طوعها في بعض الأحيان وتتصرف تصرفات ناتجة عن الغضب أو التعب، وخاصة في فترة الحيض حيث يزداد ضعفها الجسدي وتتعرض للأوجاع والاضطرابات الهرمونية. والرجل الفطن هو الذي يستوعب غضب زوجته ويعفو عنها،  ولنا في رسول الله ﷺأسوة حسنة، حيث كان يطبق مبدأ الحلم مع زوجاته، فلم يكن يغضب منهنَّ لنفسه؛ إنما يكون غضبه إذا كان الخطأ منهن في حقٍّ من حقوق الله.  وفي هذا يروى أن أبا بكر رضي الله عنهجاء إلى النبي ﷺفسمع صوت عائشة رضي الله عنها عاليًا، فلمَّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله ﷺ. فجعل النبيﷺ يحجزه، وخرج أبو بكر مُغضبًا. فقال النبي ﷺ حين خرج أبو بكر: ((كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟!)) فمكث أبو بكر رضي الله عنه أياماً، ثم استأذن على رسول الله ﷺ، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النبيﷺ: ((قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا ))رواه أبو داود .

3- رفقه بزوجاته وعدم استخدامه للعنف معهن:  فقد كان ﷺزوجًا حنونًا رحيمًا يعطف عليهن ويرحمهن ويعاملهن معاملة كريمة ويصبر عليهن. ويكفي أنه ﷺ لم يرد في سيرته أنه ضرب بيده الشريفة الطاهرة امرأة ولا خادمًا. وهو كان يثني بشكل دائما على الرفق فيقول: ((إنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ )).رواه مسلم .

وكان ﷺ يثني على الرفق ويعلي من شأنه، فقال: ((إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ)) رواه مسلم .

أمَّا ما ذُكر في قول الله  تعالى من الضرب : ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ ﴾ [سورة النساء / الآية 34 ] . فهو محصور بالمرأة النّاشز، وهو يأتي بعد عدة خطوات أولهاالوعظ والإرشاد، فإن لم تنتفع بالموعظة كان لزاماً على الزّوج هجرها في المضجع، فإن لم تنتفع يضربها ضرباً خفيفاً لا يترتب عليه كسر أو جرح، فالهدف منه التخويف والتأديب فقط .

4- استشارته لأم سلمة رضي الله عنها:وذلك في صلح الحديبية بعدأن تم الصلح بين النبي ﷺ وبين مشركي قريش، حيث أمر النبيﷺ الناس أن ينحروا ويحلقوا ولكنهم  لم يمتثلوا لأمره،فدخل رسول الله ﷺ على أم سلمة فقال: ((يَا أُمَّ سَلَمَةَ، مَا شَأْنُ النَّاسِ؟)) قالت: يا رسول الله، قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلِّمنَّ منهم إنساناً واعمِدْ إلى هَدْيِك حيث كان فانحره، واحلق، فلو قد فعلتَ ذلك فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكلِّم أحدًا حتى أتى هديَه فنحرَه، ثم جلس، فحلق. فقام الناس ينحرون ويحلقون، حتى إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق، فنزلت سورة الفتح)) رواه أحمد .

وفي عمل النبي ﷺ بمشورة زوجته أم سلمة دليل واضح على احترام النبي ﷺ لنسائه وآرائهن وحكمتهن. فلولا هذا الأمر لما كان النبي ﷺ استشارها ولكان فضّل استشارة أحد الصحابة. وفي هذا الكلام تكذيب لأعداء الإسلام الذين يدّعون بأن النبيﷺ لم يعط المرأة حقها،وأن الشورى لا تكون إلا بين الرجال .

5- عدله مع نسائه: وعدل النبي ﷺ مع نسائه جاء في جميع الأوقات والظروف،  فكان عيه الصلاة والسلام يساوي بينهن في العطايا المادية، وفي المبيت، وفي الحماية، وقد بلغ ذروة هذا العدل في وقت مرضه الذي قبض فيه، حيث اشتد عليه المرض، وثقل جسمه ،وشقّ عليه التنقل بين حجرات أهله كما كان يفعل في السابق. وخوفاً من عدم العدل بينهن قام باستئذانهن أن يمرض في بيت عائشة رضيَ الله عنها،  فأذن له .

إن عدل النبي ﷺ مع نسائه ينبغي أن يكون عبرة ليس لأعداء الإسلام الذين يرفضونٍ التعدد فقط، ولكن أيضاً لكل مسلم ظلم زوجاته عندما اختار التعدد ولم يقم بشرط العدلبينهن.و الآية الكريمة واضحة بأنه إذا لم يتحقق العدل فالأفضل الاقتصار على واحدة ، قال تعالى :  ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَأَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [ سورة النساء / الآية 3 ] .

نختم موضوع مواقف النبي ﷺ مع أهل بيته ببيان رأيه ﷺ من الزوجة بشكل عام، حيث كان يشجع على الزواج، وكان يعتبر بأن الزوجة الصالحة من أسباب السعادة في  الحياة الدنيا. فقد ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام  أنه قال :((ثَلَاثٌ مِنَ السَّعَادَةِ ، وَثَلَاثٌ مِنَ الشَّقَاوَةِ ، فَمِنَ السَّعَادَةِ: المرأة تَرَاهَا تُعْجِبُكَ ، وَتَغِيبُ فَتَأْمَنُهَا عَلَى نَفْسِهَا ، وَمَالِكَ)) رواه الحاكم

خامساً : سنة النبي ﷺ مع بناته

عندما جاء الإسلام لم يكن للفتاة أية قيمة بالنسبة للأب، وكان من يرزق بالبنات يبقى وجهه مسودا من سوء ما بشر منه  كما قال تعالى :  ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [ سورة  النحل / الآية 58] . لذلك كان الرجل يبادر إلى وأد بناته من غير ذنب فقط لأنها أنثى، يقول تعالى مبيناً سوء هذا الفعل:  ﴿و وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ  ﴾ [ سورة التكوير /الآية 9 ] .

لذلك عندما جاء الإسلام اختلف الوضع تماماً،  حيث جعل التبكير بولادة البنت قبل الذكر دليل خير للزوجين،  قال وائلة بن الأسقع في تفسيره لقوله تعالى :  ﴿للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ . [سورة الشورى / الآية 49]، " إن من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر،  وذلك أن الله تعالى قال :  ﴿يهب لمن يشاء إناثاً،  ويهب لمن يشاء الذكور ﴾ فبدأ بالإناث " [4] .

وقد تجلى تكريم النبي ﷺ للبنات أن جعل أجر من يربي البنات هو الجنة،  فقال عليه الصلاة والسلام : ((مَنْ كان لهُ ثلاثُ بناتٍ أوْ ثلاثُ أَخَوَاتٍ، أوْ بنَتَانِ، أوْ أُخْتَانِ، فَأحسنَ صُحْبَتَهُنَّ واتَّقَى اللهَ فيهِنَّ فَلهُ الجنةُ )) رواه الترمذي .

وكانت تصرفات النبي عليه الصلاة والسلام تجسيداً حياً  لكيفية وجوب تعامل وتربية الأب مع بناته، والتي ينبغي أن تقوم على الرحمة والعطف وليس على الظلم والقسوة، فهذه الولاية للنبي على بناتهﷺ تجلّت بفرحه بمولد بناته، كما تجلّت في مواقف تربوية وأبوية عديدة منها :

دعوته لَهُنّ إلى الإسلام بالحُسنى، فقال لابنته فاطمة: ((ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا)) رواه البخاري، كما كان يأمُرُهُنّ بالحِجاب والسّتر في لِباسِهِنّ، لقوله -تعالى-:  ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [ سورة الأحزاب / الآية 59 ] .

كانﷺ يسأل عن بناته بشكل دائم،ولم يكن يشغله عنهن  شاغل، بل كان يهتم بهن، ويسأل عنهن وهو في أصعب الظروف، ويدخل عليهن الفرح والسرور، ويحرص على حل مشكلاتهن مع أزواجهن، ويشاركهن أفراحهن بولادة ابنائهن، فقد عقّ عن الحسن كبشاً، وعن أخيه الحُسين كبشاً .

حبه الشديد لبناته، وإن كانت كتب السيرة لم تستفض كثيراً في ذكر ذلك، واقتصرت في نقلها عن حبه لفاطمة رضي الله عنها، فلعل السبب في ذلك يعودلأنها كانت رضي الله عنها " أكثر ملازمة لأبيها في دعوته للإسلام خارج حدود البيت، الأمر الذي أتاح للصحابة أن يروا حبه لها بأعينهم ويلمسوه بمشاعرهم ومن ثم يتناقلوه فيما بينهم"[5]، وقد بلغ حبه الشديد لها أنه كان يقوم من مقعده عندما تزوره ويحسن استقبالها ويجلسها إلى جانبهويقول لها : ((مَرْحَبًا بِابْنَتِي!)) ثُمَّ يجلسها عن يمينه أو شماله رواه البخاري .  وكان دائماً ما يقول : (( فاطمة بضعة مني، من أغضبها أغضبني )) رواه البخاري.

 

القسم الثاني: أقوال وأفعال النبي ﷺ مع النساء الصحابيات من حوله :

من مظاهر تكريم النبي ﷺ للنساء الصحابيات من حوله نذكر المواقف التالية:

قضاء حاجة المرأة التي تقصده :

فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه واصفًا النبي ﷺ قال" .. وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ" رواه النسائي .

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه" إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ" رواه البخاري .

ومن ذلك ما يرويه أَنَسٌ -رضي الله عنه- قَالَ : " جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْيَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةًفَقَالَ لَهَا(( يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ)) فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِتها " رواه مسلم.

2-السعي على الأرملة :وقد عرف من بين صفات النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان : ((يكثر الذِّكر، ويُقِلُّ اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصِّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين، فيقضي له الحاجة)) رواه النسائي  .كما أنهﷺ جعل ثواب السعي على الأرملة والمسكين كثواب المجاهدين في سبيله، ، قال رسول الله ﷺ : ((السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ )) رواه البخاري .

إن الأحاديث التي تتحدث عن تكريم النبي ﷺ لنساء أهل بيته وللصحابيات عديدة جداً ولا يسع البحث لنقلها كلها، ولكن يمكن العودة إلى كتاب "صور من حياة الصحابيات" لابن عبد البر، وكتاب "سيدات بيت النبوة"  لعائشة عبد الرحمن .ولها في هذا المجالأيضاً كتاب "نساء النبي" . إضافة إلى كتب أخرى يمكن أن تجدوا بعضاّ منها على النت .


القسم الثالث: رؤية النبي ﷺ لما يعرف بحقوق المرأة

يدّعي أعداء الإسلام أنالرسول ظلم المرأة وفضّل الرجل عليها عندما حرمها من حقوقها ولم يساو بينها وبين الرجل . وهذا الأمر يمكن نفيه ببساطة جداً،ويكفي أن نتابع الآيات القرآنية التي  تتحدث عن المساواة  بين المرأة والرجل في الخلق وفي المعاملة وفي الأجر والثواب، أما المساواة التي يريدونها والتي يريدون من خلالها أن يجعلوا من المرأة نسخة عن الرجل ، فهذا الأمر لا يقرّه الإسلام، لأنه سبحانه وتعالى يقول على لسان مريم عليها السلام:  ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ﴾ [سورة آل عمران / الآية 36 ] .

هذا وقد كان النبي ﷺيطبق من خلال أقواله وأفعاله ووصاياه رؤية الإسلام للمساواة  بين المرأة والرجل حين رفع من شأنهاوبيّن أنها والرجل خُلِقَا من أصل واحد؛ فقال ﷺ((إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)) رواه أبو داود.

وقد بيّن النبي ﷺ أنواع المساواة وهي على الشكل التالي:

-1المساواة بين المرأة والرجل في التكريم والتكليف والجزاء الأخروي عملاً بقوله تعالى:  ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾  [ سورة النحل / الآية 97 ]ومن قوله تعالى:  ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [ سورة البقرة / الآية 228].

وكذلك المساواة في الانسانية،  إذ جعل الإسلام للمرأة كياناً بعد أن لم تكن شيئاً يذكر،  فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : " كنا في الجاهلية لا نعدّ النساء شيئاً،  فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقاً " . رواه البخاري.

ولقد جاءت تصرفات النبي ﷺلتؤكد عدم تمييزه بين المرأة والرجل في المعاملة ، بل انه في بعض الأحيان كان يفضل المرأة على الرجل وذلك مراعاة لظروفها الصحية والجسدية. وهذا الأمر الذي يغفل عنه دعاة حقوق المرأة حيث أنهم يطالبون بالمساواة بين المرأة والرجل في كل المجالات، حتى في تلك التي تتطلب العمل البدني الشاق وذلك دون مراعاة للفروقات البيولوجية بينهما، ولا للظروف الصحية التي تمرّ بها المرأة وخاصة في فترة الحيض والنفاس. ومن نماذج مساواة النبي ﷺ بين المرأة والرجل وتفضيله بعض النسوة على الرجل ما يلي :

-1 مساواته بينهما في العطف والموالاة : فكان لا يميز بين المريض الرجل والمريض المرأة، فقد روى عنأمُّ العَلاءِ عمَّةُ حِزامِ بنِ حَكيمِ بنِ حِزام أنها قالت ٍ: (( عادني رسولُ اللَّهِ ﷺ وأَنا مَريضةٌ، فقالَ: أبشِري يا أمَّ العلاءِ، فإنَّ مَرضَ المسلمِ يذهبُ اللَّهُ بِهِ خطاياهُ، كما تُذهبُ النَّارُ خَبثَ الذَّهبِ والفضَّةِ))رواه أبو داود  .

2- تمييزه لفاطمة بنت أسد عن غيرهامن الرجال،  حيث أنه قام عند موتها بتكفينها في قميصه واضطجع معها في قبرها، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : " لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ أُمُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ، وأَلْبَسَها إِيَّاهُ، وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا، فَلَمَّا سَوَّى عَلَيْهَا التُّرَابَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ شَيْئًا لَمْ تَصْنَعْهُ بِأَحَدٍ، فَقَالَ: ((إِنِّي أَلْبَسْتُها قَمِيصِي لِتَلْبَسَ مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ، وَاضْطَجَعْتُ مَعَهَا فِي قَبْرِهَا لَيُخَفَّفَ عَنْهَا مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ، إِنَّهَا كَانَتْ أَحْسَنَ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيَّ صَنِيعًا بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ )) رواه الطبراني .

3-مراعاته للفروق الجسدية بين المرأة والرجل في بعض الفرائض الشاقة على المرأة  كما هو الحال عند الغزو والجهاد،  حيث جعل للمرأة أجر الجهاد من دون أن تجاهد،  وذلك إذا أحسنت أداء فريضة الحج. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، ألَا نَغْزُو ونُجَاهِدُ معكُمْ؟ فَقالَ: ((لَكِنَّ أحْسَنَ الجِهَادِ وأَجْمَلَهُ الحَجُّ، حَجٌّ مَبْرُورٌ))، فَقالَتْ عَائِشَةُ فلا أدَعُ الحَجَّ بَعْدَ إذْ سَمِعْتُ هذا مِن رَسولِ اللَّهِ ﷺ "  رواه البخاري

4- وقوفه إلى جانب المرأة المظلومة من قبل الرجل، "  فقد ورد أن نسوة ذهبن إلى بيوتِ أزواج النبيِّﷺ يشتكين أزواجهن، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم ))رواه أبو داود .وهكذا أسقط النبي خيرية هؤلاء الرجال لمجرد شكوى زوجاتهم، وهذا غاية الإنصاف للمرأة.

5-حرَّم تفضيل الذكر عليها،  قال رسول الله ﷺ: (( من كان له أنثى فلم يئدها،  ولم يهنها،  ولم يؤثر ولده قال : يعني الذكور،  أدخله الله  الجنة )) رواه أبو داود .حتى أن رسول ﷺ قال بأنه في حال التفضيل في العطية بين الولد والبنت فإنه يفضل أن يكون ذلك لصالح البنت،قال عليه الصلاة والسلام : ((ساووا بين أولادكم في العطية  فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء)) رواه الطبراني.

أبرز الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة :

تتنوع الحقوقالتي أعطاها الإسلام للمرأة، ولقد ذكرنا بعضاً منها عند الحديث عن علاقة النبي ﷺ بأهل بيته، ونورد هنا قسماً آخر منها كون النبيﷺ تحدث عنها بشكل مباشر وأوصى بها ومارسها بنفسه، منها:

1- الحق في تعليمالمرأة ، وقد جاء فيالحديث((طلبالعلمفريضةعلىكلمسلم)) رواه الألباني في الصحيح الجامع .وكلمةمسلمتشملالرجلوالمرأةكمايقولالعلماء ، لذلك جعل النبي ﷺمسؤولية تحقيق هذا الحق على عاتق الأهل فقال: ((ألَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالمرأة رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))متفق عليه .

وهذه المسؤولية تستوجب من الأبوين أن يعلموا بناتهم ما يقتاتون به  لأن الأب  لا يضمن " أن تجد ابنته أماناً من زوج،  أو شفقة من أخ،  أو حفظاً من مجتمع فقد الخلق والقيم وانسلخت أنظمته عن الالتزام بشرع الله " [6].

هذه الدعوة إلى التعليم كان النبي ﷺ يقوم بها بنفسه حيث كان يخصص يوماً للنساء لتعليمهن ووعظهن، وقد قالت النساء للنبيﷺ: "غَلَبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن" . متفق عليه.

ومن الدلائل العلمية على تشجيعه تعليم النساء أن حفصة بنت عمر أخذت عن الشفاء العدوية القراءة والكتابة قبل زواجها بالرسول عليه الصلاة والسلام،  ولما تزوجها عليه السلام طلب إليها ان تتابع تثقيفها وأن تعلمها تحسين الخط وترتيبه كما علمتها أصل الكتابة،  فقال لها: ((ألا تُعلِّمينَ هذِهِ رُقيةَ النَّملةِ كَما علَّمتيها الكِتابةَ )) رواه أحمد .

2-حقها في اختيار الزوج :

حرص الإسلام على إعطاء المرأة كامل الحق في اختيار الزوج التي تحب ويميل معه هواها، وهذا الخيار يبقى معها في كامل حياتها الزوجية،  فإذا شعرت بأنها كارهة لزوجها ولا تريده فلها الحق في أن تتركه،  قال عليه رسول  الله ﷺ: (( لا تنكح الثيِّب حتى تستأمر،  ولا تنكح البكر حتى تستأذن،  وإذنها الصموت)) رواه أحمد.

ومن سماحة الإسلام أنه يرفض الزواج بالإكراه، وجعل للمرأة الحق في حال تعرضت لهذا النوع من العنف أن تشتكي للقاضي،  فعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها :" أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَرَدَّ نِكَاحَهَا " رواه البخاري.

وكذلك يحق لها أن تفدي نفسها بالخلع إذا كرهت الاستمرار في الزواح، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبيﷺ فقالت يا رسول الله، ما أَنْقِم على ثابت في دِينٍ ولا خُلُق، إلَّا أنِّي أخاف الكُفْرَ فقال رسول اللهﷺ((فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟)) فقالت نعم. فردَّتْ عليه حديقته، وأمره ففارقها " .رواه البخاري

وهذه الحرية في اختيار الزوج لا تقتصر على النساء الحرائر فقط فهذه بريرة معتوقة للسيدة عائشة أم المؤمنين " حين اعتقتها كان زوجها عبداً فجعل رسول الله ﷺيحضها فجعلت تقول لرسول الله ﷺ : أليس لي ان أفارقه ؟ قال : ((بلى))،  قالت : قد فارقته  " سنن الدارمي.

3-حق المرأة في الذّمة المالية المستقلة:حيث إن للمرأة الحق في البيع والشّراء التصرف في التعاقدات المالية كالبيع والشراء والدين والرهن، والقرض، والوكالة، والإجارة، والوقف، والميراث فبعد أن كانت تورث كالمتاع، يرثها أقارب زوجها، فإنشاؤوا زوجوها أحدهم، وإن شاؤواعضلوها حتى تموت أو تفدي نفسها بالمال،  أصبحت في ظل الإسلام من جملة الورثة أصحاب الفروض.

إن هذه الحقوق التي حصلت عليهاالمرأة المسلمة منذ أكثر من 1400 سنة  لم تحصل عليها المرأة الغربية إلا في في أوائل القرن العشرين، ففي فرنسا مثلاً استمر حرمان المرأة من حقوقها الى عام 1921م. تاريخ كتابة  محمد جميل بيهم كتابه "المرأة في الإسلام وفي الحضارة الغربية" حيث قال:" إن التمدن الحديث احتفظ طويلاً بنسبة تسلط الرجل على أموال الزوجة وكسبها،  ويمنعها من التصرف به إلا بإذنه فالمشرع في فرنسا قضى بأن الرجل ليس له أن يتولى على أملاك الزوجين المشتركة فحسب، بل له أيضاً حق الولاية على عقارات المرأة الخاصة،  وليس للزوجة حتى في أثناء غياب زوجها أن تبيع شيئاً من الأملاك المشتركة بل ولا أن تتصرف في أملاكها الخاصة من غير رضاه.  وزيادة على ذلك فليس للزوجة أن تقبل هدية أيضاً بغير إذنه،  في حين أن له الحق أن يهب ما يشاء من الرياش المشتركة في بيتها،  فضلاً عن أموالها المنقولة الخاصة" [7]  وهذا الواقع لم يتغير إلا في العام (1938م)  .

 

 

3-حق المرأة في الخروج من بيتها

لم يمنع الإسلام خروج المرأة من بيتها كما يحاول بعض المغرضين ادعاؤه،  بل إن الإسلام سمح للمرأة بالخروجلأداء العبادات مع كونها -في بعض الأحيان- ليست من العبادات المفروضة عليها،  وذلك كشهود الصلوات وخاصة صلاة الجمعة وصلاة الفجر التي يكون خروج المرأة فيها خطراً مع وجود الظلام. حتى أن الإسلام حرّم على زوجها منعها من الخروج في حال أرادت،  قال رسول الله ﷺ : ((لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ )) رواه أبو داود .

وقد كان دأبه ﷺ أن تخرج المرأة لصلاة العيد وللمشاركة في فرحة العيد، ولو لمتكن تستطيع الصلاة، ويروى أن  امْرَأَةٌ قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌقَالَ : (( لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا)( . رواه البخاري.

علما أن هذا الخروج لا يقتصر على العبادات فقط فهي تستطيع الخروج للعمل إذا راعت الضوابط الإسلامية والأخلاقية. وفي هذا يروى عن جابر بن عبد الله  أنه قال: طُلِّقت خالتي فأرادت أن تَجدَّ نخلها ( أخذ ثمار الشجر) فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي ﷺ فقال : (( بلى فجُدِّي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً )) . رواه مسلم.

 

في الختام ، يتبين لنا مما سبق من سنة النبي ﷺ في تعامله مع النساء كذب الادعاءات التي طالت علاقة  النبي ﷺ مع أهل بيته وغير ذلك من الأباطيل التي أوردهاالمتحاملون على الإسلام وحكموا بها على النبي ﷺ انطلاقاً من مقاييس وقوانين بشرية وضعوها بأنفسهم، وعلى رأس هذه المقاييس المواثيق والاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى عولمة قضايا المرأة المسلمة بتشويه عقيدتها وتاريخها ورموزها لإدراكهم بأن السيطرة على المرأة هو السبيل الوحيد لهدم الأسرة وبالتالي هدم المجتمع المسلم   .



[1] مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، ص13-14.

[2]المرجع نفسه، ص19.

[3]إلهام منصور، نحو تحرير المرأة في لبنان، ص206.

[4] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج16، ص 33 .

[5] لينا حمصي، صحابيات، فاطمة بنت محمد، موقع طريق الإسلام .

[6]كامل موسى ، البنت في الإسلام ص 75.

[7]محمد جميل،  بيهم،  المرأة في الإسلام والحضارات الغربية، ص53 .

 

===========

كتاب رياض الصالحين ..ابواب

  كتاب رياض الصالحين ابواب باب بر الوالدين وصلة الأرحام قال اللَّه تعالى (النساء 36): {واعبدوا اللَّه ولا تشركوا به شيئاً، وبالوال...